![]() |
الأبعاد التربوية للتوبة
مهدي الفتلاوي
التوبة مفهوم تربوي ديني ينطلق من إيمان الاسلام بطبيعة الانسان المركب من دم ولحم وعقل وروح وعواطف تتجاذبه نوازع الخير والشر، فتارة يرتفع إلى مصاف الملائكة بأفكاره وسلوكه، وأخرى يسقط إلى حضيض الحيوانية بشهواته ونزواته، إنه دائم بين الانحراف والاستقامة، يقوم ويقعد.. فهو إذا بحاجة إلى نافذة خير وأمل في مسيرته الحياتية، ونافذة مضيئة يستطيع أن يبصر نورها حتى ولو ذهب بعيداً عن طاعة الله في انحرافه وطغيانه.. أجل إنه بحاجة إلى هذه النافذة ما دام يعيش في حياة محفوفة بالأشواك مليئة بالمغريات زاخرة بالشهوات الضاغطة الملحة، فكانت التوبة هي النافذة التي تشع في نفوس العصاة الأمل في القدرة على اصلاح أنفسهم وإنقاذها من مهاوي الانحراف والعودة بها من جديد إلى طريق الهدى والاستقامة. ومن هذا المنطلق نستطيع القول بأن التوبة تنطوي على بعدين تربويين: البعد الأول: حفظ روح الرجاء من أن تخبو جذوتها لدى المذنبين الذين أسرفوا على أنفسهم في ارتكاب الجرائم واقتراف المآثم فلكي لا يظن هؤلاء أن لا مغفرة لهم بعد إسرافهم هذا فينقلبوا يائسين من رحمة الله سبحانه، مما يجعلهم يتمادون في الانحراف والعصيان لله سبحانه شرعت التوبة في الاسلام لإنقاذ أمثال هؤلاء من حالة السقوط في بحر القنوط ومن حالة الاستسلام لظلمات المعاصي ووساوس الشيطان. (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله، إن الله يغفر الذنوب جميعاً، إنه هو الغفور الرحيم) الزمر/ 53. والخوف والرجاء من أهم أركان منهج التربية الاسلامية في الحياة، فهما مبدآن قرآنيان لتربية الفرد والأمة ووضعهما على الخط الاسلامي الصحيح، ليهرب المسلم عما يضره خوفاً من عقاب الله القوي الشديد ويتشوق إلى ما ينفعه ويصلحه رجاء مغفرة الله الواسعة، وقد صوّر القرآن الكريم خطي "الخوف والرجاء" أروع تصوير في قوله سبحانه: (غافر الذنب وقابل التوب، شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير) غافر/ 3. وتعتبر التوبة أبرز مفهوم تربوي يجسد عنصر الرجاء في منهج التربية الاسلامية، كما يدلنا على ذلك أثرها التبوي العظيم في إعادة المذنبين إلى طريق الله المستقيم. ونلمح هذا الدور الإيجابي لعنصر الرجاء في التوبة من حديث الإمام الصادق (ع) الذي يرويه عن النبي (ص)، قال: "قال الله عزوجل مَن أذنب ذنباً فعلم أن لي أن أعذبه وأن لي أن أعفو عنه عفوت عنه". وفي حديث آخر عن الإمام الصادق (ع) كذلك جاء فيه أنه قال: "ما من مؤمن يذنب ذنباً إلا آجله الله سبع ساعات من النهار، فان هو تاب لم يكتب عليه شيء، وإن هو لم يفعل كتب عليه سيئة". وهذه النصوص توحي للمذنبين بأن ذنوبهم مهما كثرت لا يمكن أن تقف حائلاً بينهم وبين رحمة الله سبحانه، بشرط أن يهتدوا إلى طريق التوبة والمغفرة التي هي أقرب الطرق الموصلة إليه جلّ اسمه. ومع ذلك يبقى عنصر الخوف من الله الشديد العقاب، وهو العنصر الثاني في منهج التربية الاسلامية، نعم يبقى هذا العنصر يعمل عمله التربوي كذلك، فيوحي للمذنبين الطاغين في عصيانهم بأنهم مهما تمردوا على إرادة الله سبحانه وانحرفوا بعيداً عن رضاه وهربوا من ساحة طاعته، فهم مع ذلك محاطون من قبله محاصرون في مملكته وليس لهم مصير إلا إليه، فليحذروا إذن من الإصرار في عصيانهم وطغيانهم، فإن ورائهم حساباً عسيراً ويوماً عصيباً، يوم تبلى السرائر فما لهم من قوة ولا ناصر. وقد أوضح الإمام الصادق (ع) في حديث له أهمية عنصر الخوف ـ كأسلوب تربوي ـ في تعبيد الانسان المذنب التائب لله سبحانه، فقال: "إن الرجل ليذنب الذنب، فيدخله الله به الجنة!! قلت: يدخله الله بالذنب الجنة؟ قال: نعم، انه يذنب فلا يزال منه خائفاً ماقتاً لنفسه، فيرحمه الله فيدخله الجنة". البعد الثاني: وهو إنقاذ المذنبين من عقدة الشعور بالنقص والذنب أمام المتقين الطاهرين، فالتوبة تشعرهم ـ على نحو اليقين ـ بأنهم أصبحوا في عداد الطاهرين الأتقياء بمجرد أن أعلنوا عن توبتهم لله سبحانه باخلاص والتزموا بشروط التوبة الصحيحة، كما يدل على ذلك حديث رواه الفريقان عن رسول الله (ص)، قال: "التائب حبيب الله والتائب من الذنب كمن لا ذنب له". وهكذا تصبح التوبة طريقاً تربوياً للتكامل النفسي ووسيلة للصلاح والفلاح في حياة التائبين، كما قال الله تعالى في كتابه الكريم: (توبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون) النور/ 31. منقــــــــــــــــــول |
رد: الأبعاد التربوية للتوبة
أحسنت على هذا النقل الحسن الطيب وباارك الله فيك
ونغع بك العباد والبلاد شكرا جزيلا ياأخي |
رد: الأبعاد التربوية للتوبة
اللهم صل على محمد وآل محمد
مشكور على الموضوع .. |
الساعة الآن 05:52 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By
Almuhajir
ما ينشر في منتديات الطرف لا يمثل الرأي الرسمي للمنتدى ومالكها المادي
بل هي آراء للأعضاء ويتحملون آرائهم وتقع عليهم وحدهم مسؤولية الدفاع عن أفكارهم وكلماتهم
رحم الله من قرأ الفاتحة إلى روح أبي جواد