![]() |
آخر قطرة حبر ... قصة أعجبتني
هذه قصة أعجبتني للكاتبة التونسية سمر المزغني ..
تم إدراجها في كتاب جينيس "أصغر قاصة في العالم" في 2000.10.23 وتم إدراجها في نفس الكتاب "الكاتبة الغزيرة الإنتاج الأصغر في العالم" في 2002.04.25. اَآخر قطرة حبر في زاوية من زوايا مكتب عتيق، نخرته سنين الإنتظار، كان هناك قلم، قلم حبر جاف. منذ زمن طويل، لم يستعمله أحد، لأن صاحبه مات، ولأنه، هو قلم الحبرذاك، بقي منذ ذلك التاريخ، ينتظر صاحبه العجوز. في ذلك الركن المنسي من العالم أجمع، مكث قلم الحبر سنين طويلة، يجف ببطء، يشيخ ببطء، يموت ببطء. ولأنه، ذات يوم، تذكر في لحظة صفاء أخيرة، أن أحدا لن يستعمله بعد اليوم، قرر أن لا إنتظار للموت بعد الاَن، لأنه ببساطة، سيطارده حتى يجعله ينال منه. وهكذا، بالغبار المتراكم عليه، بالأوساخ التي سدت حنجرته الجافة، بفمه المعقف الذي أحنته حروف الحياة الجوفاء، زحف قلم الحبر العجوز أخيرا، وتحرك منذ عهد بعيد... نحو الموت. مر على دفتر كان أحدهم قد نسيه مفتوحا، رسمت فيه ملامح ذكريات مضببة. إنعرج من وراء قارورة الحبر الذي تخثر فغطتها طبقة متماسكة من سائل لزج قذر، ثم نزل بتأن من المكتب المهتز و زحف فوق الأوراق المبعثرة على الأرض. قدر ثم نزل بتان من المكتب المهتز وزحف فوق الاوراق المبعثرة على الارض لم ترتعش، كما كانت تفعل في الماضي، عندما كان يخط عليها حروفه البديعة، لأنها تعرف جيدا، أنه لن يضغط عليها بجسمه القوي، كي يترك عليها اَثاره المحبرة، كما كان يفعل في الماضي. تجلت له الحقيقة واضحة بينة وهاله معناها: لقد صار شيخا... إتجه بسرعة نحو الحمام محاولا أن يبعد تلك الفكرة عن مخيلته. تسلق الجدار وقفز بجانب الحوض. كانت قطرات ماء تنزل من الحنفية التي لم يحكم صاحبها إغلاقها، قبل أن يمو ت... سمع وقع سقوطها على أرض الحمام. أغمض عينيه وقفز في الحوض مصغيا إلى صدى رنين الماء. عندما فتحهما، وجد نفسه طافيا فوق الفقاقيع وقد إبتل جسمه المجعد وفهم في غيظ، أن قطرات الماء، بضغطها الضعيف، أزالت طبقة الحبر السميكة التي كانت تمزق حنجرته. أغضبه أن يسخر منه الموت فلا يغرق كما كان يرجو بل يضيف إليه بصمة أخرى من بصمات عار الحياة. قفز حانقا وقرر أن يترك للموت السبيل للوصول إليه وإطلاق رصاصته الطائشة. خرج من الشباك المفتوح والذي يبدو أن صاحب البيت تجاهل إغلاقه لسبب أو لاَخر. هبت ريح عاتية. إقتلعت الريح الأشجار وحطمت المنازل. مسحت عن وجه الأرض قطعة صغيرة ومسحت عن قلم الحبر الجاف كل الغبار والأوساخ التي شوهته بها الخطايا. بين أنقاض البيوت المهدمة، إستلقى قلم الحبر العجوز ليبكي. بكى حاله المخزية وأشفق على نفسه من أن يشفق على نفسه. إلتقطه فنان مجهول. تلمس فيه وقار شيخوخته وأحس بما لم يحس به من قبل، أنه، لأنه عتيق قديم، صار عظيما. أمسكه بين أنامله وأخذ يحفر عليه كلمات مذهبة ويصقله بسكين حادة. قشر بأظافره غطاء الشيخوخة المعتم ومحى، إلى الأبد، كل تجاعيد الماضي الماضي. وفي يوم خالد، أهداه لرجل قيل أنه يحكم العالم. شعر قلم الحبر العجوز بالأمل يغمر قلبه الطيب. كان من الواضح أنه إستعاد شبابه ونضارته. كان جليا أنه أصبح ذا قيمة فقرر أن يبدأ حياته من جديد. في ليلة جليدية ممطرة، أمسك الرجل قلم الحبر و أخذ يكتب. دوره في الفضاء كما يفعل رعاة البقر بمسدساتهم الامعة وخط على الأوراق البيضاء بقسوة. إبتسم قلم الحبر العجوز. إبتسم لأن حبر القارورة المبلل دغدغ فمه المتعطش. إبتسم، لأنه شعر أن الأوراق لاتزال تخشاه وأنه لايزال قادرا على أن يحفر فيها متاهات وعقدا أبدية فاستسلم لليد المتصلبة ومضى ينثر بصاقه على الورقة. حاول أن يقرأ ما يكتبه الرجل بالإمعان في حركات جسده. أخذ يلاحظ خطواته المعوجة وأيقن اَنذاك أنه يكتب أمرا خطيرا. علم أن الرجل يكتب... ما لا يجب أن يكتب... حاول أن يحجر جسمه ويمنع صاحبه من الكتابة. سمر أعضاءه و أمسك عن التنفس للحظة عل الرجل يعدل عن فعلته. إلا أنه إزداد عنادا و إصرارا. قبض على القلم بشدة وضغط بقوة كي يجبره على الحركة. أحس قلم الحبر العجوز بالعجز. شعر بالألم يعتصر قلبه وترك عصارة قلبه تنساب من جسده الغض كي تلطخ الورقة. غضب الرجل لأن بقعة من الحبر إستقرت على الورقة. ألقى قلم الحبر على الأرض و سحقه بحذائه الثقيل. إنكسر قلم الحبر و أخذت دماءه المحبرة تسيل على السجادة الملكية. كان ينزف دون توقف فأدرك أنه سيموت بعد قليل. إبتسم مفكرا أن الموت أسهل مما كان يتصور و تذكر بحزن عميق ركن المكتب المنسي و قارورة الحبر المغطاة بطبقة لزجة قذرة تخثرت فيها بقايا أحلامه الشاحبة. تمنى لو أنه يرجع عجوزا هرما لا يقوى على حمل جسمه المثقل بالغبار. تمنى لو أن كل ما حدث لم يحدث، لو أنه يبصق على كل العالم و يبعث به إلى الجحيم. بدأ الحبر يتناقص رويدا رويدا فأدرك قلم الحبر العجوز أنه سيفنى في ثوان معدودات بعد أن تسيل اَخر قطرة حبر... إبتسم إبتسامة باهتة و إدخر الوقت كي ينظر بسخرية إلى رجل الحذاء الثقيل و يبصق في وجهه كل خطايا الحياة التافهة، كل سنوات الإنتظار الطويلة، كل الحبر المتبقي. |
مشاركة: آخر قطرة حبر ... قصة أعجبتني
اخي : دار العروبه اشكر لك هذا الحضور الجميل هنا وهذا النقل الرائع للقصه وأتمنى لو نرى قلمك وبزوغه شكري ومودتي لك |
مشاركة: آخر قطرة حبر ... قصة أعجبتني
شكرا أخي احساس مرهف على مرورك وتشجيعك ..
ورغم أن قلمي قلما يجود بحسن الكلام .. إلا أن لي بعض المحاولات .. وتقديرا لتشجيعكم سوف أكتب إن شاء الله في المرة القادمة |
مشاركة: آخر قطرة حبر ... قصة أعجبتني
أخي دار العروبة
شكرآ لطرحك هذا الموضوع الذي يظهر لنا عند رحيل الكاتب فئن قلمة دائم مايرحل معة ولاكن تبغا كتابتة تذر ان هناك شخص تمكن من هذا القلم................... تحياتي: قلب ملاكـ |
الساعة الآن 10:35 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By
Almuhajir
ما ينشر في منتديات الطرف لا يمثل الرأي الرسمي للمنتدى ومالكها المادي
بل هي آراء للأعضاء ويتحملون آرائهم وتقع عليهم وحدهم مسؤولية الدفاع عن أفكارهم وكلماتهم
رحم الله من قرأ الفاتحة إلى روح أبي جواد